فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهذا مما لا سبيل إلى معرفته والوقوف على حقيته إلا بالكشف وأنى لي به. والذي يغلب على ظني أن القطب قد يكون من غيرهم لكن قطب الاقطاب لا يكون إلا منهم لأنهم أزكى الناس أصلًا وأوفرهم فضلًا وأن من ينال هذه الرتبة منهم لا ينالها إلا على سبيل الإصالة دون النيابة والوكالة وأنا لا أعقل النيابة في ذلك المقام وإن عقلت قلت: كل قطب في كل عصر نائب عن نبينا عليه من الله تعالى أفضل الصلاة وأكمل السلام ولا بدع في نيابة الأقطاب بعده عنه صلى الله عليه وسلم كما نابت عنه الأنبياء قلبه فهو عليه الصلاة والسلام الكامل المكمل للخليقة والواسطة في الإفاضة عليهم على الحقيقة وكل من تقدمه عصرًا من الأنبياء وتأخر عنه من الأقطاب والأولياء نواب عنه ومستمدون منه، وأقول: إن السيد الشيخ عبد القادر قدس سره وغمرنا بره قد نال منا نال من القطبية بواسطة جده عليه الصلاة والسلام على أتم وجه وأكمل حال فقد كان رضي الله تعالى عنه من أجلة أهل البيت حسنيًا من جهة الأب حسينيا من جهة الأم لم يصبه نقص لو أن وعسى وليت ولا ينكر ذلك إلا زنديق أو رافضي ينكر صحبة الصديق وأرى أن قوله رضي الله تعالى عنه:
أفلت شموس الأولين وشمسنا ** أبدا على فلك العلا لا تغرب

لا يدل على أن من ينال القطبية بعده من أهل البيت الذين عنصرهم وعنصره واحد نائب عنه ليس له فيض إلا منه بل غاية ما يدل عليه ويومىء إليه استمرار ظهور أمره وانتشار صيته وشهرة طريقته وعموم فيضه لمن استفاض على الوجه المعروف عند أهله من وذلك مما لا يكاد ينكر وأظهر من الشمس والقمر، هذا ما عندي في الكلام على الآية الكريمة المتضمنة لفضيلة لأهل البيت عظيمة، ويعلم منه وجه التعبير بيريد على صيغة المضارع ووجه تقديم إذهاب الرجس على التطهير ووجه دعائه صلى الله عليه وسلم لأهل الكساء بإذهاب الرجس من غير حاجة إلى القول بأن ذلك طلب للدوام كما قيل في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ ءامِنُواْ} وولا يورد عليه كثير مما يورد على غيره ومع هذا لمسلك الذهن اتساع ولا حجر على فضل الله عز وجل فلا مانع من أن يوفق أحدًا لما هو أحسن من هذا وأجل فتدبر ذاك والله سبحانه يتولى هداك.
{واذكرن مَا يتلى في بُيُوتِكُنَّ} أي اذكرن للناس بطريق العظمة والتذكير، وقيل: أي تذكرن ولا تنسين ما يتلى في بيوتكن {مِنْ ءايات الله} أي القرآن {والحكمة} هي السنة على ما أخرج ابن جرير وغيره عن قتادة وفسرت بنصائحه صلى الله عليه وسلم، وعن عطاء عن ابن عباس أنه كان في المصحف بدل {الحكمة} السنة حكاه محمد بن عبد الكريم الشهرستاني في أوائل تفسيره مفاتيح الأسرار، وقال جمع: المراد بالآيات والحكمة القرآن وهو أوفق بقوله سبحانه: {يلتى} أي اذكرن ما يتلى من الكتاب الجامع بين كونه آيات الله تعالى البينة الدالة على صدق النبوة بأوجه شتى وكونه حكمة منطوية على فنون العلوم والشرائع، وهذا تذكير بما أنعم عليهن حيث جعلهن أهل بيت النبوة ومهبط الوحي وما شاهدن من برحاء الوحي مما يوجب قوة الإيمان والحرص على الطاعة وفيه حث على الانتهاء والائتمار فيما كلفنه، وقيل: هذا هذا أمر بتكميل الغير بعد الأمر بما فيه كما لهن ويعلم منه وجه توسيط {إِنَّمَا يُرِيدُ} [الأحزاب: 33] الخ في البين والتعرض للتلاوة في البيوت دون النزول فيها مع أنها الأنسب لكونها مهبط الوحي لعمومها لجميع الآيات ووقوعها في كل البيوت وتكررها الموجب لتمكنهن من الذكر والتذكير بخلاف النزول، وقيل: إن ذلك لرعاية الحكمة بناء على أن المراد بها السنة فإنها لم تنزل نزول القرآن وتعقب بأنها لم تتل أيضًا تلاوته، وعدم تعيين التالي لتعم جبريل وتلاوة النبي عليهما الصلاة والسلام وتلاوتهن وتلاوة غيرهن تعليمًا وتعلمًا.
وقرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما {تتلى} بتاء التأنثيث {إِنَّ الله كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا} يعلم ويدبر ما يصلح في الدين ولذلك فعل ما فعل من الأمر والنهي أو يعلم من يصلح للنبوة ومن يستأهل أن يكون من أهل بيته، وقيل: يعلم الحكمة حيث أنزل كتابه جامعًا بين الوصفين، وجوز بعضهم أن يكون اللطيف ناظرًا للآيات لدقة أعجازها والخبير للحكمة لمناسبتها للخبرة. اهـ.

.قال القاسمي:

{وَمَن يَقْنُتْ} أي: يدم مطيعًا: {مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} أي: في إتيان الواجبات، وترك المحرمات والمكروهات: {وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} أي: مرة على الطاعة والتقوى، وأخرى على طلبهن رضا رسول الله صلّى الله عليه وسلم، بحسن الخلق، وطيب المعاشرة، والقناعة: {وَأَعْتَدْنَا لَهَا} أي: زيادة على أجرها المضاعف في الجنة، أو فيها، وفي الدنيا: {رِزْقًا كَرِيمًا} أي: حسنًا مرضيًا: {يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ} أي: عند مخاطبة الناس؛ أي: فلا تُجبن بقولكن لينًا خنثًا، مثل كلام المريبات والمومسات: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} أي: ريبة وفجور: {وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا} أي: بعيدًا من طمع المريب بجدّ وخشونة، من غير تخنيث، أو قولًا حسنًا مع كونه خشنًا.
{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أي: اسكن ولا تخرجن منها. من وقر يقر وقارًا، إذا سكن. أو من قرّ يقرّ من باب ضرب، حذفت الأولى من رائي اقررن، ونقلت كسرتها إلى القاف، فاستغنى عن همزة الوصل، ويؤيده قراءة نافع وعاصم بالفتح، من قررت أقر، من باب علم. وهي لغة قليلة: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} أي: تبرج النساء أيام جاهلية الكفر الأولى؛ إذ لا دين يمنعهم ولا أدب يزعهم، والتبرج، فسر بالتبختر والتكسر في المشي، وبإظهار الزينة وما يُستدعى به شهوة الرجل، وبلبس رقيق الثياب التي لا تواري جسدها، وبإبداء محاسن الجيد والقلائد والقرط، وكل ذلك مما يشمله النهي؛ لما فيه من المفسدة والتعرض لكبيرة.
فائدة:
قيل: {الْأُولَى} بمعنى القديمة مطلقًا من غير تقييد بزمن. فيستدل بذلك لمن قال: إن الأول لا يستلزم ثانيًا. قال في الإكليل: وهو الأصح عند العلماء. فلو قال: أول ولد تلدينه فأنت طالق، لم يحتج إلى أن تلد ثانيًا. انتهى.
وقال الزمخشري: الأولى هي القديمة التي يقال لها الجاهلية الجهلاء، من الزمن الذي ولد فيه إبراهيم، أو ما قبله، إلى زمن عيسى. والجاهلية ما بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما. ويجوز أن تكون الجاهلية الأولى جاهلية الكفر قبل الإسلام، والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام، ويعضده ما روي أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال لأبي ذر، لما عير رجلًا بأمه وكانت أعجمية: «إنك امرؤ فيك جاهلية».
والمعنى نهيهن عن إحداث جاهلية في الإسلام، تشبه جاهلية الكفر قبله: {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} أي: بموافقة أمرهما ونهيهما. ثم أشار إلى أن مخالفتهما رجس لا يناسب فضل أهل البيت بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} أي: ما أمركن ونهاكن، ووعظكن، إلا خيفة مقارفة المآثم، والحرص على التصوّن عنها بالتقوى. فالجملة تعليلية لأمرهن ونهيهن على سبيل الاستئناف.
قال الزمخشري: استعار للذنوب الرجس، وللتقوى الطهر؛ لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها ويتدنس كما يتلوث بدنه بالأرجاس، وأما المحسنات فالعرض معها نقيّ مصون كالثوب الطاهر. وفي هذه الاستعارة ما ينفر أولي الألباب عما كرهه الله لعباده ونهاهم عنه، ويرغبهم فيما رضيه لهم وأمرهم به. و: {أَهْلَ الْبَيْتِ} نصب على النداء، أو على المدح. والمراد بهم من حواهم بيت النبي صلّى الله عليه وسلم.
قال ابن كثير: وهذا نص في دخول أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم في أهل البيت ههنا، لأنهن سبب نزول هذه الآية، وسبب النزول داخل فيه قولًا واحدًا، إما وحده على قول، أو مع غيره على الصحيح. وأما قول عِكْرِمَة، إنها نزلت في نساء النبي صلّى الله عليه وسلم خاصة، ومن شاء باهلته في ذلك، فإن كان المراد أنهن كن سبب النزول دون غيرهن، فصحيح. وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن، ففي هذا نظر؛ فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك، وأنه صلّى الله عليه وسلم جمع عليًا وفاطمة والحسن والحسين، ثم جللهم بكساء كان عليه، ثم قال: «هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس».
وقد ساق ابن كثير طرق هذا الحديث ومخرجيه، إلا أن الشيخين لم يصححاه، ولذا لم يخرجاه، وأما ما رواه مسلم عن حصين بن سَبْرة، عن زيد بن أرقم، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «أما بعد، أيها الناس! إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله، فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث على كتاب الله عز وجل، ورغب فيه. ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي- قالها ثلاثًا-». فقال له حصين: ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال: ومن هم؟ قال: آل عليّ، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس- رضي الله عنهم- فإنما مراد زيد، آله الذين حرموا الصدقة، أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط، بل هم مع آله. قال ابن كثير: وهذا احتمال أرجح، جمعًا بين القرآن والأحاديث المتقدمة، إن صحت، فإن في بعض أسانيدها نظرًا. انتهى.
وقال أبو السعود: وهذه كما ترى آية بينة، وحجة نيرة، على كون نساء النبي صلّى الله عليه وسلم من أهل بيته، قاضية ببطلان رأي الشيعة في تخصيصهم أهلية البيت بفاطمة وعلي وابنيهما رضوان الله عليهم، وأما ما تمسكوا به من حديث الكساء، وتلاوته صلّى الله عليه وسلم الآية بعده، فإنما يدل على كونهم من أهل البيت، لا على أن من عداهم ليسوا كذلك، ولو فرضت دلالته على ذلك لما اعتد بها، لكونها في مقابلة النص. انتهى.
بقي أن الشيعة، تمسكوا بالآية أيضًا على عصمة علي رضي الله عنه، وإمامته دون غيره. قال ابن المطهر الحلي منهم: وفي هذه الآية دلالة على العصمة مع التأكيد بلفظ: {إِنَّمَاْ} وإدخال اللام في الخبر، والاختصاص في الخطاب بقوله: {وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} وغيرهم ليس بمعصوم الخ. وأجاب ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة بقوله: ليس في هذا دلالة على عصمتهم ولا إمامتهم. وتحقيق ذلك في مقامين:
أحدهما- أن قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} كقوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6]، وكقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]، وكقوله: {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا} [النساء: 26- 27]، فإن إرادة الله في هذه الآيات متضمنة لمحبة الله لذلك المراد ورضاه به، وأنه شرعه للمؤمنين وأمرهم به، ليس في ذلك أنه خلق هذا المراد، ولا أنه قضاه وقدره، ولا أنه يكون لا محالة، والدليل على ذلك، أن النبي صلّى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية قال: «اللهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا» فطلب من الله لهم إذهاب الرجس والتطهير، فلو كانت الآية تتضمن إخبار الله بأنه قد أذهب عنهم الرجس وطهرهم، ولم يحتج إلى الطلب والدعاء.
وهذا على قول القدرية أظهر؛ فإن إرادة الله عندهم لا تتضمن وجود المراد، بل قد يريد ما لا يكون ويكون ما لا يريد، فليس في كونه تعالى مريدًا لذلك، ما يدل على وقوعه.
وهذا الرافضي وأمثاله قدرية، فكيف يحتجون بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} على وقوع المراد؟ وعندهم أن الله قد أراد إيمان من على وجه الأرض. فلم يقع مراده. وأما على قول أهل الإثبات، فالتحقيق في ذلك أن الإرادة في كتاب الله نوعان: إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه. وإرادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره. الأولى مثل هؤلاء الآيات. والثانية مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} [الأنعام: 125]، وقول نوح: {وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34].
وكثير من المثبتة والقدرية يجعل الإرادة نوعًا واحدًا، كما يجعلون الإرادة والمحبة شيئًا واحدًا، ثم القدرية ينفون إرادته لما بين أنه مراد في الآيات التشريع؛ فإنه عندهم كل ما قيل إنه مراد، فلا يلزم أن يكون كائنًا، والله قد أخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين وأن يطهرهم، وفيهم من تاب وفيهم من لم يتب، وفيهم من تطهر وفيهم من لم يتطهر، وإذا كانت الآية دالة على وقوع أراده من التطهير وإذهاب الرجس، لم يلزم بمجرد الآية ثبوت ما ادعاه.
ومما يبيّن ذلك أن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلم مذكورات في الآية، والكلام في الأمر بالتطهير بإيجابه ووعد الثواب على فعله والعقاب على تركه. قال تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 30]، إلى قوله: {وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} فالخطاب كله لأزواج النبي صلّى الله عليه وسلم، ومعهن الأمر، والنهي، والوعد، والوعيد. لكن لما تبين ما في هذا من المنفعة التي تعمهن وتعممّ غيرهن من أهل البيت، جاء التطهير بهذا الخطاب وغيره ليس مختصًا بأزواجه. بل هو متناول لأهل البيت كلهم، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين أخص من غيرهم بذلك، ولذلك خصهم النبي صلّى الله عليه وسلم بالدعاء لهم، وهذا كما أن قوله: {لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ} [التوبة: 108]، نزلت بسبب مسجد قباء، لكن الحكم يتناوله ويتناول ما هو أحق منه بذلك، وهو مسجد المدينة وهذا يوجه ما ثبت في الصحيح عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال: «هو مسجدي هذا». وثبت عنه في الصحيح أنه كان يأتي قباء كل سبت ماشيًا وراكبًا، فكان يقوم في مسجده يوم الجمعة، ويأتي قباء يوم السبت، وكلاهما مؤسس على التقوى. وهكذا أزواجه، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين رضي الله عنهم أخص بذلك من أزواجه؛ ولهذا خصهم بالدعاء. وقد تنازع الناس في آل محمد من هم؟ فقيل: أمته. وهذا قول طائفة من أصحاب محمد، ومالك، وغيرهم. وقيل: المتقون من أمته. ورووا حديثا «آل محمد كل مؤمن تقي» رواه الخلال، وتمام في الفوائد له. وقد احتج به طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم، وهو حديث موضوع، وبنى على ذلك طائفة من الصوفية، أن آل محمد هم خواص الأولياء؛ كما ذكر الحكيم الترمذي.
والصحيح أن آل محمد هم أهل بيته، وهذا هو المنقول عن الشافعي وأحمد، وهو اختيار الشريف أبي جعفر وغيرهم. لكن هل أزواجه من أهل بيته؟ على قولين هما روايتان عن أحمد. أحدهما- أنهن لسن من أهل البيت. ويروى هذا عن زيد بن أرقم. والثاني- وهو الصحيح أن أزواجه من آله. فإنه قد ثبت في الصحيحين عن النبي صلّى الله عليه وسلم أنه علمهم الصلاة عليه: «اللهم صل على محمد وأزوجه وذريته». ولأن امرأة إبراهيم من آله وأهل بيته، وامرأة لوط من آله وأهل بيته؛ بدلالة القرآن. فكيف لا يكون أزواج محمد من آله وأهل بيته؟ ولأن هذه الآية تدل على أنهن من أهل بيته، وإلا لم يكن لذكر ذلك في الكلام معنى، وأما الأتقياء من أمته فهم أولياؤه؛ كما ثبت في الصحيح أنه قال: «إن آل بني فلان ليسوا لي بأولياء، وإنما ولي الله وصالح المؤمنين». فبين أن أولياءه صالح المؤمنين، وكذلك في حديث آخر: «إن أوليائي المتقون، حيث كانوا وأين كانوا». وقد قال تعالى: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} [التحريم: 4]، وفي الصحاح عنه أنه قال: «وددت أني رأيت إخواني». قالوا: أولسنا إخوانك؟ قال: «بل أنتم أصحابي، وإخوتي قوم يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني». وإذا كان كذلك، فأولياؤه المتقون، بينه وبينهم قرابة الدين، والإيمان، والتقوى، وهذه القرابة الدينية أعظم من القرابة الطبيعية. والقرب بين القلوب والأرواح أعظم من القرب بين الأبدان. ولهذا كان أفضل الخلق أولياؤه المتقون. وأما أقاربه ففيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر. فإن كان فاضل منهم، كعلي رضي الله عنه وجعفر والحسن والحسين، ففضلهم بما فيهم من الإيمان والتقوى، وهم أولياؤه بهذا الاعتبار لا بمجرد النسب.